الدكتورة وهيبة فارع : انا إنسانة ضعيفة ولست امرأة حديدية Bookmark and Share
التاريخ : 31-08-2010 لم تقبل بإجراء حوار كهذا من أول "اتصال"، لكن بعد جهود وساطة من نوع خاص، لم تتردد في فتح باب مكتبها والإجابة عن جميع تساؤلاتنا بما فيها الأسئلة المشاكسة والمحرجة إن جاز التعبير.. تماما كما لم تتردد في الإقرار بأنها "أضعف الناس" على عكس وصفها من قبل البعض "بالمرأة الحديدية" وذلك بالنظر إلى ما تتمتع به من قوة شخصية وصرامة وجدية في التعامل أثناء العمل، وروح مفعمة بسيل من الأفكار الثورية والنضالية ورثتها من أزمنة الكفاح والدفاع عن الثورة اليمنية ومكتسباتها.

لم تقبل بإجراء حوار كهذا من أول "اتصال"، لكن بعد جهود وساطة من نوع خاص، لم تتردد في فتح باب مكتبها والإجابة عن جميع تساؤلاتنا بما فيها الأسئلة المشاكسة والمحرجة إن جاز التعبير.. تماما كما لم تتردد في الإقرار بأنها "أضعف الناس" على عكس وصفها من قبل البعض "بالمرأة الحديدية" وذلك بالنظر إلى ما تتمتع به من قوة شخصية وصرامة وجدية في التعامل أثناء العمل، وروح مفعمة بسيل من الأفكار الثورية والنضالية ورثتها من أزمنة الكفاح والدفاع عن الثورة اليمنية ومكتسباتها.

الدكتورة وهيبة فارع أول امرأة يمنية تتسلم حقيبة وزارة حقوق الإنسان، قبل أن تودعها وتتولى حاليا مهمة عميد معهد العلوم الإدارية بالعاصمة صنعاء، في حوارها مع (اليمامة) السعودية والذي تعيد "السياسية" نشره تستعرض أهم المحطات التي تخللت مشوار حياتها قبل أن تسجل الكثير من المواقف والاعترافات الجديرة بالاهتمام..فإلى نص الحوار
* كيف تصفين مرحلة الطفولة؟
هي مرحلة نقية تذكرني بنقاء القرية التي عشت فيها، فقد كانت من أجمل الأماكن التي عشت فيها حتى الآن، وبكل شيء جميل.. بالمطر، السحاب، الزرع، الهواء النقي، الناس البسطاء، والسواقي، والأودية المترعة بالماء والخضرة, الجبال العالية التي كنا نتسلقها حتى قممها لنقبل السماء, ومع ذلك لم نكن نغرق إلا في الضباب المنتشر فوق هضابها العليا..

*ماذا علق في ذهنك من تلك المرحلة؟
الصفاء، النقاء، الهدوء، التفاني والتعاون المجتمع الصغير المتآلف.. علق في ذهني كل ذلك عندما كنت -رغم صغر سني- أستمع إلى الإذاعة العربية، عبر جهاز الراديو "الأرض بتتكلم عربي" الذي مثل بصمة في حياتي لأني تخيلت العالم وراء الجبال المحيطة من خلال تلك العلبة الصغيرة، وكنت أستمع الى المذيعات في إذاعة صوت العرب كما تستمع الطالبات إلى مدرساتهن، وكان والدي ومعظم أفراد العائلة يحبون الاستماع إلى برامجها فنجتمع حول هذا الجهاز لأن من خلاله نستمع الى نداءات الثورة والثوار خصوصا في اوقات نشرات الأخبار.

*كيف كنت تتخيلين العالم كطفلة مندهشة من خلال الراديو؟
الراديو يعطيك القدرة على التخيل، تتخيل أشياء كثيرة من ضمن الأشياء التي كنت أتخيلها المدن العربية الكبيرة في حدود تخيلاتي، وعلى سبيل المثال عندما ذهبت إلى بيروت في 72 للدراسة في الجامعة الأميركية كنت اتخيل بيروت المدينة غير بيروت المدينة التي وجدتها في الوقع أكثر اتساعا وفوضى، فأصبت بصدمة حضارية كبيرة, فالانتقال لم يكن سهلا من القرية إلى تعز، إلى علي عبد المغني والغيل الأسود في صنعاء، ثم إلى بيروت رأسا, فأحدثت تلك الرحلة بالنسبة لي هزة كبيرة لدرجة أثرت على قرار الاستمرار لانتظار إجراءات القبول في بيروت، وكنت قد سجلت احتياطيا في جامعة صنعاء ففضلت العودة, مع ذلك ظل الراديو عالمي.

*هناك من أدمن النوم على إيقاع صوت الراديو ماذا عنك؟
أنا استمع الى الراديو وأحبه ولكن أصبح عندي بدائل أخرى، إنما يظل للراديو تأثير كبير في حياتي، فمن خلاله أحببت الشعر والأدب وتعلمت القدرة على التذوق والقدرة على الأداء والصبر والجلد.. الراديو لعب دورا كبيرا في حياتي وفي صياغة مسيرة حياتي بما تعلمته منه.

*هل مازلت تحتفظين بأشيائك وألعابك القديمة؟
نعم كلها موجودة، وأذكر من بين ألعابي سيارة يدوية مصنوعة من الحديد "الخردة" وهذه اللعبة كنت أعتز بها جدا لأنني من صنعها إلى جانب ما كنا نصنعه نحن البنات من عرائس من القماش والقش.

* هل هذا يعني أنكم كنتم تصنعون ألعابكم ولم تكونوا تشترونها؟
نعم، كنا نصنعها من الأشياء الهامشية ولم نكن نشتريها لسبب بسيط هو أن المتاجر لم تتواجد إلا بعد أعوام من قيام الثورة.

*قبل الانتقال إلى مرحلة الدراسة في المدرسة ماذا عن دراسة القرآن؟
- كان كل الأهالي في منطقتنا ملزمين بتحفيظ أبنائهم القرآن الكريم، وكان يقوم بتدريسنا الشيخ "عبدول"، وأتذكر أنه كان من أمتع أوقاتي عندما يتأخر "الفقي" عن الوصول إلى القرية لأنه يصبح لزاما علينا أن نذهب إليه في القرية الأخرى، حيث كنا نعتبرها نوعا من الفسحة او الرحلة المدرسية فنحمل المصاحف بداخل (الخراطة) ونضع بجوارها فطور بسيط يتكون من قطعة خبز تشبه "الكبانة" تسمى فطير مع قليل من أنواع الحبوب المشوى على النار، وكانت هذه الرحلة من أمتع الرحلات بالنسبة لنا كأطفال رغم أن مسافتها لم تكن تتجاوز نصف الكيلو، لكننا كنا نقف خلالها عند السواقي الجميلة والشلالات، وننزل للسباحة واللعب بالمياه فيها، ولك أن تتخيل هذه المسافة القصيرة كم تحوي من الجمال الطبيعي الريفي الخلاب.. هذه كانت طفولتي الجميلة التي لم تتكرر حتى لأولادي، حقا كنا نعيش في زمن البراءة بجناتها وفردوسها الذي لم تلوثه ما نسميه بطغيان التقدم التكنولوجي، كانت طفولة حالمة كالتي ترونها أنتم اليوم في أفلام الكارتون وإن كانت مجتمعات أحاط بها الجهل والفقر.

*هل تتذكرين أحدا من رفيقاتك؟
- أتذكر العديد من الزميلات منهن من أصبحن الآن في وظائف ودرجات علمية وطبيبات ومهندسات مثل الدكتورة سبأ والدكتورة عزيزة, الجميل في الأمر أنه لم يكن يمكن أن نتجاوز سن السابعة دون أن نختم القرآن وبعضنا يختمه قبل ذلك، ولا زلت -والحمد لله- أحفظه حتى الآن، وأعتقد أن هذه هي الميزة اندرجت في اطار مرحلة الصفاء والنقاء والتعلق بالأرض واللغة والمكان, في هذه اللحظة لو سألت عن من لم يتعلم في قريتنا لوجدت النسبة أقرب الى الصفر ولا تتجاوز العشرة بالمائة في المنطقة كلها.

*هل كان هناك عقوبات وقعت عليك أثناء دراستك للقرآن؟
- أنا لا أذكر أني واجهت عقوبات أثناء ذلك، لكن عوقبت في الصف الثاني الابتدائي، وكتبت كلمة "المرأة ألف مرة لأنني أخطأت في كتابة الهمزة بجانب الألف وليس عليه، والغريب أن من عاقبني ليس مدرس او مدرسة اللغة العربية ولكن مدرسة اللغة الانجليزية فقد كانت دراسة اللغة العربية بالنسبة للجميع مهنة مقدسة.

* هل يمكن أن تصفي لنا حال المكان في ذلك الوقت وما هو عليه اليوم؟
- للأسف، السواقي التي كانت موجودة أزالتها الطرقات التي شقت ما بين القرى، فأصبحت غير موجودة، المساحات الخضراء التي كانت تحيط بكل شيء أستبدلت بالبيوت، لكن ملامح القرية الطبيعية وأجواءها لم تتغير كثيرا، والملاحظ أن القرية كانت كلها عبارة عن أهل يضموك ووطن يحتضنك، أما الآن فعندما تذهب إلى تلك القرى لا تجد الحرية للاطفال، ولا الناس متفرغين لبعضهم البعض، كما كانوا يتبادلون الزيارات ويتعاونون فيما بينهم.. أيضا مجموعة القرى رغم تباعدها وما يفصل بينها من اودية سحيقة وجبال إلا أن أصحابها كانوا يتعارفون ويتجمعون في المناسبات ويشاركون بعضهم بعض الأحزان والأفراح، وعندما كانت الأفراح تدوم اسبوعا كان كل بيت وكل أسرة تساهم بشيء ما، لذا لم يكن العبء كله ملقيا على كاهل الأسرة الواحدة بل كانت المناسبة مسؤولية أبناء القرية ككل.

* ماذا عن مراسم الاحتفال بختم القرآن؟
- نعم هذه المناسبة لا تنسى، ولا زلت أذكر حفل الانتهاء من حفظ القرآن، الحفل الذي يعرف باللهجة الريفية اي"الختمة" وتأتي بعد إتمام الجزء الأخير حيث تجتمع النساء لمشاركة أسر الحافظات بشرب القهوة وترديد الأناشيد الدينية لمباركة الحافظات، يومها تركت النساء يحتفلن مع والدتي بعد انتهاء المراسم التي تقتضي لبس زي خاص للمناسبة, وخرجت للعب مع صديقاتي في الخارج وكان يوما ممطرا فتزحلقت وسقطت على ظهري بسبب ما كنت ارتدي يومها من ملابس وحذاء ثقيلة الأمر الذي استدعى حملي والذهاب بي إلى عدن التي كنا نصل اليها بطرق بدائية جدا إما على ظهر الحمير والخيول أو على سيارات في الأصل كانت تستخدم لنقل البضائع الثقيلة التي تتحمل السير بين المناطق اليمنية الخالية من السفلتة، وبعد "الجبس" استمريت في عدن حتى دخولي الفصل الرابع الابتدائي خصوصا وأن والدي لديه تجارة فيها تستغرق نصف وقته بينما يتنقل باقي الوقت بين اليمن والخارج.

* كيف استطعتم الانتقال إلى عدن رغم حالة القطيعة بين الشمال والجنوب؟
- أولا القطيعة لم تكن حقيقية كانت قطيعة وهمية، حيث كنا نستطيع الدخول والخروج من وإلى عدن بسهولة، بيد أن القطعية حدثت عقب الاستقلال من الاحتلال البريطاني وبالتحديد عندما تولى الرفاق الحكم.. وبالنسبة لقريتنا فقد كانت امتدادا لمساحات زراعية مأهولة تربط بين الشطرين أنذاك وتصل بين مناطق الشمايتين ولحج، ولم يكن هناك ثمة فوارق او حدود نهائيا على مستوى التراب أو على مستوى علاقات النسب والقربي؛ فالارض واحدة منذ الأزل.

* كيف تصفين تشجيع الأهل لك على الدراسة؟
- في الواقع كان الوالد -رحمه الله- رجلا " تقليديا" رغم أنه لم يكن يعيش في القرية بصورة دائمة، لكنه كان يحب أن نبقى فيها ويعتبر البقاء في المدينة سواء كانت عدن او تعز ضرورة فقط، انما الأصل بالنسبة له أن يظل بيت الأسرة كما هو في الريف، لكن بعودة أخي الأكبر من الدراسة في القاهرة استطاع بصورة او بأخرى أن يقنع والدي بأن نبقى في عدن خصوصا بعد تعرضي للاصابة على أن نعود في العطلة الصيفية إلى القرية سنويا وذلك من اجل غرض هام هو اكمال دراستنا.

* هل معنى ذلك أنه لم يكن مقتنعا ويعارض دراستك؟
- لا بالعكس هو كان متفهما لدراستنا كبنات، وكان منفتحا جدا، لكنه كان حريصا على تربيتنا تربية تقليدية فهو ينتمي الى أسرة فقهية وقد تربى هو عليها, وربما كان يشفق علينا منها، لكنه كان يصر على ضرورة العودة إلى القرية وتطويرها بدلا من الخروج منها، حتى وإن كانت مسافة الرجوع للقرية مسافة ساعة وليس مسافة يوم، وربما أنه كان يجزم بعدم استطاعتنا التأقلم مع الحياة المدنية خصوصا وأننا ننتمى الى أسرة ريفية وكان هو منتقلا بين بريطانيا وايطاليا وتجارته في عدن التي عاش فيها مع اخوته الذين كان يعتمد عليهم في ادارة ما يملك.

* كم كان ترتيبك في عائلتك؟
- كان ترتيبي الثالثة في العائلة، شقيقي الأكبر كان قد أنهى مرحلة الدراسة الاولى في عدن ثم في القاهرة ومن ثم عاد الى تعز آخر ايام الملكية, وله الفضل في التحاقي بالمدرسة عام 63، فقد عاد من القاهرة مباشرة إلى تعز وعين مديرا للمدرسة الاحمدية ونائبا لسيف الاسلام عبد الله، لكنه كان قد ضاق بالوضع فعبر عن ذلك صراحة, فاتهم بمشاركة الثوار وزج به في سجن القاهرة في حجة, ولم يفرج عنه الا قبل الثورة بأيام ليتجه نحو عدن, ومن هناك بدأ يدعو مع الوالد لكل الافكار الثورية لخدمة الثورة والجمهورية, شقيقي الثاني كان قد بدأ الدراسة أيضا في عدن, بينما كنت وأختي التي تصغرني بعام فقط في بداية مراحلنا الدراسية بين سن السادسة والسابعة عندما عاد أخي وهو بروح جديدة مع العام الثاني من فجر الثورة واستطاع إقناع والدنا على دراستنا لنتمكن من أن نكون طبيبات مع دراسة القرآن ليترافق مع الدراسة الحديثة ويمكننا من خدمة بلادنا، وهنا اقتنع الوالد بالفكرة لأنها بدت مهمة وطنية شرط عدم تركنا للقرية نهائيا, لكننا بعد الاربع سنوات بالتحديد في مطلع عام 68انتقلنا نهائيا لنلتحق اولا بمدرسة النهضة بمنطقة التربة في تعز التي فتحت تحت إصرار من الأهالي رغم أن مبناها لم يكن مناسبا, ثم بمدرسة اروى للبنات في مدينة تعز.

* وفي عدن ما هي المدرسة التي درست فيها؟
- في عدن درست اولا في مدرسة "انجمن" وهي مدرسة هندية لمدة عام ونصف بسبب قربها من المنزل, ثم انتقلت الى مدرسة بلقيس لمدة عامين.

* هل من مشكلات رافقت العيش في عدن تلك الفترة؟
- قبل استقرارنا في تعز لم تكن لدينا اية مشكلات خاصة حيث كنت ادرس في كلية بلقيس وهي مدرسة أنشأها التجار اليمنيون لمواجهة احتياجات أبناء المناطق المتاخمة لمستعمرة عدن آنذاك والتي أسسها دولة الأستاذ عبد العزيز عبد الغني الذي يشغل حاليا منصب رئيس مجلس الشورى، وأدارها الأستاذ محمد انعم غالب الذي تقلد وزارة التربية والاقتصاد لأكثر من مرة عمادة المعهد الوطني للعلوم الإدارية، لكن بسبب وعورة الطريق للذهاب والعودة من والى التربة فضلنا ان نبقى في تعز..اعتقد أن تلك كانت هي المشكلة الرئيسية لنا ماعداها لم يكن هناك شيء آخر.

* كيف تصفين عدن أنذاك؟
- عدن كانت مدينة صغيرة وجميلة في تلك الفترة، ولا زالت, وكانت بالنسبة لكل اليمنيين بمثابة الحلم، وكنا عندما نتجه إليها أو نعود إلى القرية نتوقف عند منطقة "الرجاع" مثلا أو في "المصلى" وتشدنا الأضواء المنبعثة منها فتشعرك بأنك قادم إلى عالم سحري له مذاق آخر في سكانه وأجوائه, وانك عندما تغادره تترك قطعة منك.

* ماذا عن توفر الخدمات بالنسبة لأسرة ميسورة؟
- كنا نعتقد ذلك لأن البيوت الميسورة والبيوت القريبة من "العرضي" أي مقر الحكومة كان لديها كهرباء وكنا منها بمعنى آخر كان لديها لمبة واحدة او اثنتين!، وكان لدينا تلفون على عكس بقية الناس وهذه هي نفس الخدمات التي ظلت الأسر التي تسميها أنت ميسورة تمتلكها فقط، وقد تتخيل ذلك عندما تعي معنى وجود لمبة واحدة في البيت, إنما في كل الأحوال كان ذلك أفضل من الظلام، ولم نعرف فرق الخدمات او مستواها إلا في عهد الثورة.

* ما مدى مساهمة وضعكم المادي في مساعدتكم على الدراسة؟
- نحن كان حالنا حال بقية الناس لا تمييز للغني من الفقير او بين من جاء من القرية أو المدينة ..الثورة فتحت ذراعيها للجميع الذي اتجه نحو التعليم وبفضله تغيرت الكثير من الأمور واستطاع الكل أن يغير من مستواه وظروفه الاجتماعية والثقافية واستطاع ان يحدث حراك اجتماعي صاعد في المجتمع، وأنت ترى كم انضم الى سلك المدرسين والمهندسين والأطباء من اليمنيين في حين كنا حتى نهاية السبعينيات نعتمد على كل هذه الفئات من الدول العربية.

* لكن بعض الأسر المسحوقة لم تتوفر لهن فرص التعليم أليس كذلك؟
- ربما ولكن لأن الجميع بدأ من الصفر لذا لم يكن هناك فرق كبير بين الناس، فالفقر وغياب الوعي كان موجودا لكن الإحساس بعظمة الثورة وبأن الثورة لم تفرق بين غني ولا فقير زاد من زخمها بين الناس كالزلزال فلم تترك أحدا إلا وأشعرته بالتغيير والمساواة، وكان الناس يعبرون عن فرحتهم بإشعال النيران في كل أسطح المنازل والجبال ربما تعبيرا عن الرغبة في إزالة النظام الظلامي بكل ما يعنيه وربما تعبيرا عن الفرحة لعيد غير كل الأعياد مما زادنا شعورا بفرحة الناس البسطاء التي لم يكن أحدا يستطيع ان يلحظها الا اذا كان يؤمن بالتغيير وبالإيمان بان أهداف الثورة ستحقق مجتمع المساواة والعدل فالجميع في عهد الإمامة كان أكثر من فقير وأكثر من مسحوق.
درسنا جميعا بمقر سكني كان مهدما لا يقاوم الرياح والمطر وتولينا مهام التدريس ونحن في الصف السادس وتحملنا في تلك السن أعمالا فوق طاقاتنا دون أن يكون لأحد منا أفضلية على الآخرين ولم يعامل كعبقري أو صاحب مواهب غير عادية؛ لأن الجميع في هذا الظرف كان مشاركا دون انتظار لكلمة شكر أو مقابل وكنا مستعدات جميعا ونحن في المدرسة أن نحمل السلاح كغيرنا من الطلبة الذين انضموا للمقاومة مع إننا كنا مجرد دفعة بسيطة من البنات.

*وهل حملت السلاح؟
أنا لم احمل السلاح ولكن كنت مستعدة لحمل السلاح الذي كان جزءا من محتويات المنزل، لكنني لم أفكر مرة أن أمسك فيها السلاح الا عندما أحسست بأن أي مدينة في اليمن يمكن ان تحاصر مثل صنعاء.

* ماذا عن وعيك بالثورة في تلك المرحلة؟
كنت وإخوتي وأطفال القرية قد وعينا على قيام الثورة من خلال التهليل والتكبير وإيقاد النيران على السطوح، عبر ما كان يعرف "بالتنصير"، وكنا صغارا لا نعي كامل معناها، ثم وعينا فيما بعد على معنى تلك التجمعات التي كان ينظمها أهالي القرية، ومتابعتهم لإذاعة صوت العرب وخطابات عبد الناصر وما يدور في مصر وبقية الدول العربية وما بدأ يدور في جنوب الوطن المحتل آنذاك والذي اندلعت فيه الثورة، وكانت منطقتنا الحدودية منطقة التربة، وهي تقترب من عدن بحوالي70 كيلومتراً، تعيش حالة ثورة هائلة مع انطلاق أول رصاصة من قمم جبال ردفان لتتشكل بذلك البدايات لتصبح نقطة انطلاق لدعمها بالمقاتلين والسلاح من قرانا والمناطق المحيطة بها.
نحن وعينا على ما بعد قيام الثورة، وأتذكر عندما دخلنا المدرسة أن الأهل كانوا يتحدثون عن الثورة كما يتحدثون عن أسباب الحياة اليومية؛ لأن الكثير من الأهل التحقوا بجيش الدفاع والمقاومة الشعبية ..هذه الثورة كانت هدف وغاية تسعى الجماهير لتحقيقها لهذا كنت تجد المؤسسات التي يتم إنشاؤها بفضل مساهمات أبنائها فمثلا البنك اليمني قام على أموال المهاجرين والتجار اليمنيين والذين كانوا يعضون على الثورة بنواجذهم، وأتذكر أيضا إني كنت استمع الى أحاديث بعض إفراد الأسرة وتساؤلاتهم كم ساهمتم في البنك اليمني كم ساهمتم في الكهرباء وحتى النساء كانت تشجع وتشارك ضمن بقية أفراد الأسرة؛ لأنه لكان عليهم المساهمة في ذلك بقليل من الأسهم هنا وهناك فالثورة ومؤسساتها كانت تبنى على أكتاف اليمنيين سواء كانوا رجالا أم نساءً وكنا نحس بهذا التغيير الذي يحصل أمام أعيننا.

* ماهي اهم المشاهد التي تتذكرينها عن تلك المرحلة؟
- أتذكر بعد التحاقي بالمدرسة في التربة بعد عودتنا من عدن في نهاية الصف الرابع الابتدائي كانت المدرسة الوحيدة التي أصر الأهالي على افتتاحها وهي مفتوحة السقف، وكان المطر ينزل علينا حتى اضطررنا للدراسة تحت الشجر خارجها، وكانت خالية من الأثاث تقريبا، وكانت مدرسة اروى الوحيدة التي بنيت في تعز كمدرسة تلاها معهد المعلمين والتزمنا جميعا بالدراسة وبالتدريس فيها اعتبارا من الصف السادس الابتدائي وقد درست في مدرسة القرية بدون طاولات ولا كراسي فقط كنا نأتي "بتوانك" (علب ذات أحجام كبيرة من الصفيح) الكبيرة لنجعل منها طاولات ومن الحجارة كراسي للجلوس وجمعنا في فناء المدرسة، كل شيء كنا نحس انه يحدث تغيير وهذه كانت أعمال مساندة للثورة لأنها كانت أعمال جيدة.
عرفت الثورة في المقاومة الشعبية بين اعوام67 و69 وعندما بدأت المقاومة الشعبية كنا نرى أهالينا يجهزون (البزات العسكرية) ويحملون البنادق ويخرجون للحراسة في أبواب المدن وكانت المقاومة في صنعاء على أشدها. ثم انتقلت إلى صنعاء أواخر أيام الحصار وشهدت بعض مظاهر الحرب.
وأتذكر عن تلك المرحلة عاتقة الشامي الله يذكرها بالخير وحورية المؤيد -رحمة الله عليها- مع من كانوا يشاركون في الدفاع عن الثورة، كن يحملن العلاجات إلى بيوت المدينة المحاصرة، لهذا فإن حصار صنعاء ظل من أكثر المشاهد العالقة في الذهن، وأبرزها مظاهر البيوت التي قصفت من نقم ومن الجبال المحيطة بنيران المدفعية وعند محاولات الزحف نحو صنعاء التي كانت تضرب من كل الجهات ..وربما كانت هذه أكثر المشاهد التصاقا بالثورة، التي ظلت في ذهني.. سلسلة من المعارك المتصلة حتى انتهاء حصار صنعاء وانتصار النظام الجمهوري.

* هل نستطيع القول إن جملة الإحداث التي عايشتها من الثورة إلى المقاومة ساهمت في طبع شخصيتك؟
- الجيل الذي كان معي هو جيل الثورة سواء الذي وعى على الثورة أم الذي وعى أحداث ودلالات ما بعد الثورة..ونحن من الجيل الذي وعى بعد الثورة على الظروف التي فرضت علينا لتقرض علينا المساهمة في بناء المدارس والجمعيات مثل جمعية المرأة اليمنية وجمعية الهلال الأحمر فساهمنا في نقل المعدات الطبية وساهمنا في تقديم الأغذية للمقاومة الشعبية وفي برامج محو الأمية يعني ادوار كثيرة لم يكن بالإمكان تأديتها لولا إيماننا بالثورة وأتمنى ان يقرأ الجيل الجديد تاريخ اليمن ليعرف أهمية ادوار أجيال الثورة والوحدة.

*وماذا عن وصفك "بالمرأة الحديدية"؟

من قال لك ذلك؟ أنا اضعف الناس (تضحك).. في الحقيقة أنا إنسانة بسيطة ولكني منظمة ودقيقة في عملي ولا أحب المتهاونين، لذلك يطغى على عملي الانضباط، وهو ما لا يعجب البعض أو أن البعض يعتقد أن إطلاق هذه الصفة نوعا من المديح لعملي وربما قد يكون ذلك مقبولا، ولكن ليس في كل الأحوال، إنما أنا في نهاية الأمر إنسانة بسيطة وأكثر الناس تأثرا بكل ما هو إنساني وربما أكثر الناس تأثرا بالمواقف لدرجة لا أستطيع فيها حبس الدموع.

* وماذا عن الإصرار في وصولك إلى ما وصلت إليه رغم الصعوبات؟
الإصرار كان له دور مهم وكثير من المواقف التي وضعت فيها، فقد كنت اسمع الناس يهللون من أسطح المنازل وهم يلوحون ويهتفون تحيا الثورة ويهتفون للتغيير، وهذا التغيير كان يحتاج الى تغيير في الناس وتطوير لإمكاناتهم ونحن أطفال أدركنا بوجود التغيير ولامسناه وأدركنا -رغم صغر السن- أن ما يسعد الناس كلهم يسعدنا فلم يكتفي أهالينا بتعليمنا القرآن وإنما بعد الثورة مباشرة حصلنا على دعم من الجميع بالدراسة لأنهم أدركوا أننا ذاهبون إلى عهد جديد, فشارك الأخوال والأعمام وبقية أفراد الأسرة في دفعنا نحو التعليم, ولم يكن هناك مدارس فشارك الجميع في المساهمة في بناء المدارس فصلا فصلا، ولم يكن هناك مدرسون فشاركوا بالتدريس ودفع رواتب المدرسين، ومن هنا استشعرت المسؤولية وعظمتها فاتجهت إلى انجاز ما طلبة مني الجميع وما رغبت فيه انا فيما بعد.

* هل معنى هذا أنك لم تكن ترغبين في الاتجاه نحو ما اتجهت اليه؟
- لا بالعكس، لكن أنت تعرف في مرحلة التعليم الأولى المرء لا يكون وعيه قد وصل إلى مرحلة استشعار المسؤولية، لكن عندما يصل إلى مرحلة يدرك فيها ذلك تبدأ طموحاته ترتسم لدية رؤية حول مستقبلة، بعد الثانوية حصلت على منحة من الجامعة الأميركية في بيروت بعد دراسة اللغة الانجليزية في "الكمب" الأميركي في تعز، وفي فترة انتظار المنحة في صيف عام 71 بتعز عملت في شركة التبغ والكبريت لمدة شهرين تدربت فيهما على التوثيق وتعلمت خلاها الطباعة على الآلة الكاتبة التي كانت في تلك الأيام مهمة غير ممكنة, ثم التحقت بالتدريس بمدرسة محمد علي عثمان لمدة فصل دراسي, لكن تأخر المنحة جعلني أعود للدراسة في جامعة صنعاء التي كانت سيرت عامها الثاني لخمسة وعشرين طالبا وطالبة كنت منهم.

* هذا يعني انك بدأت العمل بالطباعة؟
- لا لم أبدأ بالطباعة وإنما تعلمت الطباعة عن رغبة ثم اتجهت للتدريس في مدرسة محمد علي عثمان عندما أنهيت الثانوية تمضية للوقت وكان غرضي الحقيقي من ذلك هو أن أتعلم الطباعة

لم تقبل بإجراء حوار كهذا من أول "اتصال"، لكن بعد جهود وساطة من نوع خاص، لم تتردد في فتح باب مكتبها والإجابة عن جميع تساؤلاتنا بما فيها الأسئلة المشاكسة والمحرجة إن جاز التعبير.. تماما كما لم تتردد في الإقرار بأنها "أضعف الناس" على عكس وصفها من قبل البعض "بالمرأة الحديدية" وذلك بالنظر إلى ما تتمتع به من قوة شخصية وصرامة وجدية في التعامل أثناء العمل، وروح مفعمة بسيل من الأفكار الثورية والنضالية ورثتها من أزمنة الكفاح والدفاع عن الثورة اليمنية ومكتسباتها.

الدكتورة وهيبة فارع أول امرأة يمنية تتسلم حقيبة وزارة حقوق الإنسان، قبل أن تودعها وتتولى حاليا مهمة عميد معهد العلوم الإدارية بالعاصمة صنعاء، في حوارها مع (اليمامة) السعودية والذي تعيد "السياسية" نشره تستعرض أهم المحطات التي تخللت مشوار حياتها قبل أن تسجل الكثير من المواقف والاعترافات الجديرة بالاهتمام..فإلى نص الحوار
* كم كنت تتقاضين من التدريس ومن العمل في الشركة؟
-عملي في الشركة كان تطوعيا لم أتقاض منه شيئاً، أما التدريس فكان أول راتب استلمته عشرة ريالات وثاني راتب كان 25 ريالا. في ذلك الوقت كان أفضل راتب لا يتجاوز مائة وخمسين ريالا.

* ماذا اشتريت بأول راتب؟
-اعتقد أن أول راتب حصلت عليه اشتريت به كراسي لمدرسة القرية التي كنت أشعر بالذنب أنني درست فيها بدون كراسي، فاشتريت 10 كراسي كل كرسي بريال او ريال وربع، وبقي أن انتظرت أشهرا لأتمكن من توصيلها لأن الطريق لم تكن عقد عبدت بين تعز والقرية والسيارات التي تسافر إلى هناك لا تذهب إلا مرة في الأسبوع.

*كيف وافق أهلك بدراستك في الجامعة الأميركية في بيروت؟
-رافقني شقيقي وكان قد عين في إحدى سفارات بلادنا في إحدى الدول العربية, وعندما حصلت على ابتعاث صحبني في أول رحلة للاطمئنان على استقراري بالدراسة والمعيشة, لكن لأسباب كثيرة لم أتمكن من الاستقرار وعدت للدراسة في جامعة صنعاء بكلية الآداب والتربية مع بقية زميلاتي الثمان اللاتي اكملت معهن حتى نهاية المرحلة الجامعية ومع بعضهن حتى نهاية الدكتوراه.

*لماذا هذا التخصص؟
-كنت أحب الأدب العربي واللغات بشكل عام وقد درست اللغة الانجليزية كتخصص ثانٍ، لكن بسبب كثافة المواد تركتها وتخصصت في مجال التربية.

*ماذا عن المحاولات الشعرية؟
-لدي محاولات ليست للنشر فأنا أحب الشعر بطبيعتي وأكتب الشعر وأحيانا أنظمه وأتبادله مع أولادي على شكل حكم أو نصائح، فقد نشأت في بيئة تحب الأدب وتحترم مجالس العلم والأدباء, ولا زالت أذناي تحن الى أصوات النساء في الوديان وهي تصدح بالعناء الحر وخصوصا الراعيات, وكان منتهى سعادتي أن أنتظر موسم مرور المداحين الذين كانت أسرتنا تستقبلهم وتستضيفهم ويقدمون أفضل ما لديهم من المديح النبوي والأناشيد الدينية التي كنت أحفظها عن ظهر قلب, ولكن أحتفظ بمحاولاتي الشعرية لنفسي لكن حتى اللحظة لم أجرب أن أنشر أو أقرأ ما لدي لأحد، ولكن أتبارى مع أولادي الذين يحبون الشعر والأدب بالنظم والقصيد وهم يحفظون مثلي الشعر النبطي وبعض الأناشيد والقصائد الدينية.

*لماذا هل هو الخوف أم تواضع مستوى الكتابة الشعرية؟
-لا، هو تواضع مستوى الكتابة ربما فعندما أقرأ للدكتور المقالح أو لنزار قباني، أقول لنفسي: "أيش جاب لجاب" كما يقولون، فالشعر ليس تخصصا هو موهبة، وكان يمكن ان يكون تخصصي الأدبي لكنه تحول إلى أدب اجتماعي أو سياسي سمه ما شئت .. جربت كتابة الشعر والقصة القصيرة، ولكني وجدت نفسي في الأبحاث والدراسات الاجتماعية الواقعية كالطبيب عندما يتسلم الحالة لا يقوم بالتغزل فيها او وصفها فيها بقدر ما يبدأ في تخليصها من الآلام والوجع.

*هل نتوقع لمحاولاتك الأدبية أن ترى النور؟
-(تضحك) .. لا أعتقد لكن ربما قد يأتي أحد من أولادي ويفتش عنها وينشرها.
أين تخبئينها؟
-في مكتبتي الخاصة، لدي مكتبة كبيرة وكتب كثيرة وقد تبرعت بعدد كبير منها للجامعة.

*عودتك من بيروت.. هل نصفها خوف أم فشل؟
-أولا كان خوف لأنه أول خروج لي من بلدي، وأول معايشة حقيقية لما كنت أتخيله من خلال الراديو, فقد فوجئت برؤيتي طوابير البنات يتحركن بكل حرية من والى الجامعة، ووجدت المجتمع البيروتي أكثر انفتاحا بينما مثلي فيه يحس بالعجز او لنقل الدهشة, حينها أحسست بالفجوة الكبيرة ما بين المجتمع لدينا والمجتمع الذي أتيت إليه، وذلك بالرغم من أنني عندما عدت الى صنعاء وبقيت فيها مع زميلاتي دون أسرنا أثناء الدراسة كان المجتمع الصنعاني يعتبرنا والجامعة مجتمعا متمردا عن العادات والقيم وواجهنا صعوبة في التأقلم لم يبددها إلا استاذنا أحمد جابر عفيف -رحمه الله- والأستاذ قاسم المصباحي عندما تولوا رعايتنا وتخفيف الصعوبات أمامنا باعتبارهم مسؤولين عنا, حتى تعايشنا مع ظروف الدراسة وعايشتنا لنحقق المعادلة كيف يمكن أن نكون مع المقاومة الشعبية؟ وكيف يمكن أن نكون متنورات وقياديات ولا نخضع للآراء التي تريد أن تبقينا خارج اطار المشاركة؟ ومن هنا بدأنا بتأسيس جمعية المرأة اليمنية بصنعاء التي كانت قد تأسست بتعز عام 67 وسعدنا بانضمام بعض الاخوات ممن انهين الثانوية في صنعاء مثل سيدة دلال، وبلقيس الحضراني، وبلقيس الصباحي، ورؤوفة حسن، وكثيرات لا أتذكر اسماءهن الآن ولكن منهن ربات بيوت مثل ام حاتم الصباحي، وزوجة هاشم طالب، وأم هيثم العيني.

*أين كانت الوجهة بعد تخرجك من الجامعة؟
-بعد فترة الدراسة في الجامعة عملت أشياء كثيرة درست في مدرسة بلقيس للبنات، وكانت المدرسة الوحيدة التي أنشئت مطلع السبعينات مع أستاذتنا حورية المؤيد كنائبة لها, هذا طبعا أثناء الدراسة الجامعية لأن هناك كان لدي التزام مع زميلاتي أن ندرس أثناء أو بعد التخرج, ففضلت استكمال التزاماتي قبل التخرج حتى اتفرغ بعد التخرج لمهام اخرى, وبعدها تخرجت والتحقت بلجان التصحيح في عهد الرئيس السابق ابراهيم الحمدي، ومع عملي كمعيدة في الجامعة لمدة سنتين زاملت خلالها عبد الوهاب راوح واحمد لقمان واحمد البشاري ورشاد العليمي ونورية حمد، وأمة الرزاق حمد، وعزيزة طالب وأمة السلام الشامي، وابتعثنا سويا للدراسات العليا.. كانت المنحة الدراسية الأولى لي إلى بريطانيا بعدها عدت الى القاهرة، وهناك درست التخطيط التربوي في مرحلة الماجستير، وأكملت الدكتوراة في نفس التخصص رغم ظروفي، فقد أنجبت أبنائي الأول والثاني خلال فترة دراستي في هذه المرحلة.

*كم لديك من الأولاد؟
-عندي خمسة الاولى اكبرهم أكملت الدكتوراه في فرنسا هذا العام، والثانية الآن في برنامج الدكتوراه، أما الثالثة فهي في بداية الدراسات العلياأ وواحدة في أولى جامعةأ والأصغر في مرحلة الثانوية العامة هذا العام.

* بالنسبة لقصة زواجك هل كانت تقليدية؟
-كانت مرتبة رغم أنها كانت تقليدية، فقد تمت عن رغبة وتفاهم بين الطرفين.
*من هو زوجك؟
-هو رئيس مؤسسة التأمين علي هاشم، اللواء علي هاشم وهو من مناضلي الثورة اليمنية، فقد كان نائب رئيس أركان ورئيس مؤسس للمؤسسة الاقتصادية العسكرية ومؤسسة التجارة الخارجية، وكان ضمن من تم نفيهم إلى الجزائر نهاية 69 بعد حركة نوفمبر مع مجموعة كبيرة من الضباط، وكان من ضمنهم عبد الله عبد السلام صبرة، وحسين المسوري، ثم تم ترحيلهم فيما بعد إلى الاتحاد السوفييتي، وهناك استكمل دراسته في أكاديمية لينين العسكرية, وقد تزوجنا بعد عودته في عام 74.

*بالنسبة لك كيف كان وضعك في هذه المرحلة الصعبة؟
-تزوجنا بعد عودته من الاتحاد السوفييتي وتعيينه كرئيس للمؤسسة الاقتصادية العسكرية.

*ننتقل إلى مرحلة توليك حقيبة وزارة حقوق الإنسان.. كنت أول أمرأة تتولى هذا المنصب.. من رشحك؟
- نعم كنت الأولى في الحكومة العاشرة تقريبا حكومة دولة الأستاذ عبد القادر باجمال عام 2001م.. وكانت أول حكومة يتم فيها مشاركة المرأة مشاركة فعليا بشكل حقيقي أعتقد دون مبالغة أن عملي السياسي على أكثر من صعيد هو من رشحني، وأعتبر أن اختيار امرأة لهذا المنصب كان موفقا بالرجوع إلى سيرة عملها الاجتماعي والأكاديمي والسياسي, وأعتقد أنه كان اختيارا ذكيا لأنه لم تختر امرأة أمية او فاشلة بل امرأة متعلمة وناجحة خصوصا وانا وقد أضفت إلى رصيدي تأسيس جامعة، لا أحد يختلف علي أدائها, بالإضافة إلى تواجدها وحضورها في الساحة داخليا وخارجيا أيضا ..ولست من النوع الذي يراهن على الوطن ولا أتردد في بذل كل ما املك في سبيل وطني، واعتبر ذلك جزءاً من دوري تجاهه.

*من اختارك وكيف تم إبلاغك؟
-بلغت قبل الإعلان بدقائق أنني في التشكيلة الحكومية الجديدة ومن فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح -حفظه الله- الذي هنأني على هذا التعيين، لكن كان الحديث حول تكليف عنصر نسائي بحقيبة وزارية قد بدأ قبلها بأسبوع من مصادر غير رسمية، فكنت آخر من يصدق بأن التكليف سيكون لي.

*ألا تعتقدين أن تعيينك كان مكافأة بالنسبة لك؟
- اختياري لهذا المنصب لم يكن تشريفا لي وحدي بل للمرأة اليمنية وفي نظريأ كان تكليفا وتكليفا جادا ربما لأنني من النوع الجاد الذي يحب أن يعمل عمله على أكمل وجه، فأنا دقيقة ومنظمة وأحب الانجاز ولا أحب المزاح والمجاملة في العمل، وبالنسبة لمكانتي العلمية كأستاذة جامعية كان هذا المنصب تحديا حقيقيا بأهدافه النبيلة وحجم المسؤولية وما تقتضيه أمانة القسم الذي أديته, ولم أكن أحب الفشل أو المغامرة, فلو فشلت لقالوا المرأة اليمنية فشلت، لو تركت العمل يسير نفسه واكتفيت بالفرجة لقالوا أيضا أن المرأة لا تحب إلا المظاهر، لهذا كان تحديا صعبا إلى درجة لم تترك لي فرصة التوافق مع بعض من كان يعتقد أنني كنت لمجرد تزيين الحكومة.

أليس لهذا السبب تم استبعادك من الحكومة؟
كل ما أعرفه عمليا أن الحكومة كانت قد انتهت وأن هناك تشكيلا جديدا، وأنا قد أبديت رغبتي في عدم الاستمرار في ظل ذلك الوضع آنذاك، ورئيس الحكومة أيضا عبر عن هذه الرغبة حتى ولو أدى الأمر إلى رفضه التكليف لتشكيل حكومة.

مع ذلك لا أنكر هنا أن في شخصية رئيس الوزراء الأسبق با جمال أشياء كثيرة جيدة بالرغم من عدم اتفاقنا في تسيير العمل وتوزيع المهام لإزالة التقاطعات مع الأجهزة التي كانت تعيق عمل مؤسسات حقوق الإنسان رغم اقتناعه بعملي، فلم أخل بأي من المهام الموكلة لي خلال مدة بقاء تلك الحكومة، ومع ذلك ففي أي عمل يمكن يكون هناك عدم اتفاق وربما عدم استلطاف أو فهم لا أدري بين فريق العمل، المهم أنني كنت من النوع الذي يكمل عمله مهما كانت النتيجة وحتى لو كان ذلك وأنا في باب الوزارة وهذا ما فعلته بالضبط.
*لماذا أبديت رغبتك في عدم البقاء؟
-أبديت رغبتي في عدم البقاء لأسباب منها الإحساس بأن كل ما نتحدث عنه حول حقوق الإنسان يواجه صعوبات على مستوى الداخل والخارج، وكذا الإحساس بأن الشخص الذي من المفترض يساندني وهو رئيسي المباشر غير متفاعل, ومن غير المقنع أن تكون المهام التي نقوم بها محل شكوى دائمة ونقد من قبل لا عمل لها الا الشكوى والتبرم وإحباط الآخرين.

*أهم قرار اتخذته عند توليك المنصب؟

أول قرار كان بناء وزارة وتأسيسها وتوضيح مهامها وهيكلتها.

* هل كانت مهمة صعبة؟
- بالفعل كانت مهمة صعبة، ولكن لم يكن أمامي سوى ذلك الوضع الصعب للغاية، لكن أظن أنني استطعت أن أعمل وأنجز الكثير خلال سنتين فقط فترة تقلدي هذا المنصب فانا لم ابدأ سوى في مكتب كان لوزير المالية، ثم انتقلت الى مكتب آخر في وزارة الخارجية حتى يتم إعداد مكان لي ولم يكن لدي سوى مراسل وطباع وسائق، حتى استطعت استكمال بنية المكتب الأساسية ثم بقية هيكل الوزارة وجميعها كانت تحتاج الى تدريب وإعداد للقيام بمهامها.

*ما هو التغيير والانجاز الذي أحدثته؟
-أولا مراجعة القوانين ومنع القبض على أي شخص في الشارع لمجرد أنه يمشي مع زوجته أو أي حد والتوقيف العشوائي، إغلاق بعض السجون، مراجعة أوضاع السجناء وتشكيل لجان بهذا الصدد، ونجحت في إطلاق سراح الكثيرين، ومراجعة التقارير الدولية الخاصة بحقوق الإنسان عن اليمن بما ساهم في إخراج اليمن من مأزق حقيقية وحقق لنا دعما دوليا كبيرا لليمن.

*أين كانت المشكلة إذاً؟
-كانت المشكلة في غياب الوعي الاجتماعي العام بدور الوزارة ومهامها واختصاصاتها، كنا واقعين بين سندان الحكومة ومطرقة المجتمع مع تقاطعات لمن يفترض بهم أن يكونوا حماة لحقوق الإنسان، فساهمنا في بناء بيوت للسجينات بيوت حماية مع منظمة من المنظمات الاجتماعية بعدن، لإعداد وتهيئة السجينات للخروج الى الحياة الطبيعية صعبة، فعندما تخرج السجينة من السجن لم تكن تجد من يحميها، فقد وجدنا أن الكثيرات يؤثرن البقاء في السجون على الخروج خوفا من مواجهة الواقع الاجتماعي الصعب.

*أهم القصص التي اطلعت عليها من هذا النوع؟
-قصة إحدى السجينات قتلت دفاعا عن شرفها وعندما قررنا إخراجها قالت لا أستطيع دفع الدية، قلنا لها سيدفعها بيت مال المسلمين سيدفعها رئيس الدولة، لكنها قالت بصراحة لا تخرجوني من هنا إذا لم يقتلني أهل زوجي سيقتلني أهلي، فأنا هنا منذ 17 عاما ولا احد يعرف إن كنت حية أو ميتة.. مثل هذه القصة تؤثر فيك، بعض النساء دخلن السجن ظلما .. مثلا البعض دخل لمجرد الشك بها عندما التقطت من الشارع تمشي برفقة شخص غريب في الشارع فذهبوا بها الى القسم ولم تستطع الاتصال بأهلها لخجلها او خوفها قبل أن تدخل السجن وتضيع حياتها.

ولهذا يكفينا في وزارة حقوق الإنسان أننا منعنا مثل هذه التصرفات وانقذنا العديد من النساء وتصدينا للدفاع عنهن, ولم نترك مجالا للمزح مع بعض المستهترين في حقوق الإنسان, مما اضطرنا الى إقامة العديد من دورات التدريب للتوعية بين صفوف رجال الشرطة والأمن والعدل والقضاء.

*نفهم أن بعض القرارات كانت تواجه معارضة؟
-لم تكن هذه مشكلتي، كنت أجد كل الدعم من زملائي، لكن المشكلة كانت في عدم تفهم البعض لدور وطبيعة عملنا والمهام الخاصة بنا، كان البعض يعتقد أن الوزارة ستكون مجرد بربجندا وزارة صورة لهذا هناك من اخطأ التقدير، لكن أكدنا لهم أن الوزارة جاءت لتعمل ضمن المسار المحدد لها ما لم نعود إلى منازلنا هكذا بالمفتوح، واستمرت العملية بين شد وجذب حتى آخر ثلاثة أشهر للحكومة كانت هي الفيصل بالنسبة لي لخروج مشرف من هذا التشكيل، لأنه لو لم يحدث تغيير لكنت من قدم استقالته، لكن حصل التغيير بشكل عادي وأنا أديت عملي على أكمل وجه حتى آخر يوم بل استمريت لمدة أسبوع تقريبا حتى سلمت كل أعمالي للأخت أمة العليم السوسوة وزيرة حقوق الإنسان السابقة قبل أن تشغل منصبها الحالي كمساعد للأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون، وخرجت مرتاحة وضميري مرتاح والآن عينت كعميد للمعهد الوطني للعلوم الإدارية حتى انتهاء المدة المجددة لهذه الوظيفة.

*ألا ترين أنه تهميش لك من وزير إلى عميد معهد؟
-بالعكس درجة العميد في هذا المعهد هي درجة وزير، وليس تهميش على الاطلاق، وبالنسبة لي العمل تكليف ليس تشريف، ونحن نعتبر أنفسنا مثل الجنود عندما يتم اءتماننا على عمل ما لا يهم في أي مكان وكيف, إنما ماهي النتيجة التي سنحققها منه في أي مكان والعبرة دائما تكون في النتيجة، والآن كما ترون المدة التي استلمت فيها المعهد تم انتشاله من وضع غير عادي تستطيع تلمسه وأتمنى ان تنتهي وظيفتي اليوم وليس غدا لأني نجحت في إعادة المعهد كمؤسسة لتدريب القيادات واعدت برامجه وعلاقته بالمؤسسات التعليمية المماثلة في الخارج على المستويين الدولي والعربي.

*بماذا نجحت بالضبط؟
- نجحت في إعادة المعهد إلى سابق عهدة كذراع للدولة في التنمية الحقيقة، أعدت هيكلته تقريبا أعدت نظام الابتعاث وإرسال طلابه إلى الخارج للدراسات العليا، أعدت علاقاته بالمنظمات الدولية، أعدت الدعم المخصص له أشياء كثيرة استطعت تحقيقها.

*وماذا عن الفساد؟
-جففنا منابع الفساد، وتستطيع أن تذهب وتتحقق من ذلك لكن يبدو أن دورة التجفيف تحتاج الى اكثر من مرة حتى تنتهي.

*ماذا عن شكوى البعض طلاب ومدرسين من تعاملك الحاد؟
-بالعكس، وطبيعي تجد الشكوى من الطلاب, خصوصا وأن أي طالب يريد أن يميع الأمور كما يريد هو ولمصلحته، ولا أخفيك عندما وصلت المعهد كان عبارة عن دار رعاية اجتماعية مفتوحة لمنتسبين من الموظفين يأتون إليه لاستلام رواتبهم فحسب, وهذه إحدى مظاهر الفساد والإفساد التي يقاومها الناس.

*ماذا عن الوساطة والمحسوبية في عملية القبول والتسجيل للطلاب؟
-هذا غير موجود على الأقل في حدود معرفتي؛ لأن الشكوى هي ان العميدة لا تقبل الوساطة، اما إذا كان الطالب يتيما وإنسانا جيدا فأنا من يتوسط له، لكن عندما يأتي لي ابن مسؤول برلماني أو وزير يريد أن يكون هو قبل الآخرين وفوق القانون, فلا يجوز, لهذا تعاملي مع الناس تعاملا واحدا، فأقول لهم تفضلوا ادخلوا امتحنوا لكن الوساطة ممنوعة..ابن الوزير والغفير يفصل بينهما ميزان العدالة وتكافؤ الفرص, وحتى الآن لا احد يريد ان يفهم بان المعهد للتدريب وليس لدراسة الدبلومات التي أصبحت من مهام كليات المجتمع اما المعهد فان دوره هو النهوض بالأداء الإداري لقيادات وموظفي الدولة.
*ماذا عن عملية الغش في الاختبارات؟
-من قال ذلك؟ انا أظنك تفترض وتخمن لأنك حولت هذه المؤسسة الى ما تعتقده في رأيك وهي أننا مجرد معهد دون أن تعرف تاريخ هذا المعهد ومستواه. وأظن هذا ما يعتقده الآخرون! .. وهنا أسالك: هل تعرف مدرسة للإدارة اسمها مدرسة الادراة في فرنسا او المانيا او الرياض او ماليزيا التي تتطلب عنها دولها بكل احترام؟..هذا هو ما يشبه المعهد الوطني او ما يجب ان يكونه "بيت خبرة للإدارة" في اليمن وليس كلية مجتمع وليس جامعة, فمستواه فوق الاثنين.

*الحديث عن الغش جاء من أحاديث الأوساط الطلابية، والواقع الذي لا يبرئ منظومة التعليم منه؟

-عليك أن تثبت ذلك.. وإذا ثبت سنتأكد من الشخص الذي قام بعملية الغش ولن نتردد في محاسبته أيا كان، لكن نحن أحدثنا تغيير في هيئة القبول والتسجيل وفي الكثير من إدارات العموم عبر إتاحة الفرصة لمدراء عموم جدد كذلك الفرصة لتعيينات إدارية للأساتذة والدكاترة الذين همشوا او اللذين كانوا مهمشين فأصبحوا يشغلون الدوائر كلها, والأهم من هذا كله إننا أيضا رتبنا عملية التسجيل وحفظ الوثائق ورصد الدرجات اليكترونيا وهو ما أضيف إلى المعهد حديثا.

*وماذا عن نسبة النساء المنخفضة؟
-حسب الموجود, كان لدينا امرأة بدرجة مدير عام، لكن لسوء حظها في التغيير أننا احتجنا لشهادات ومؤهلات أعلى لم تكن لديها، والآن هناك عدد من النساء يشغلن مناصب نواب مراكز، وعددهن ثلاث تقريبا من إجمالي سبع منهن اثنتان في مجالات قيادية.وقد التحق بالمعهد مؤخرا عددا من حملة الشهادات العلياء سيتم اتاحة الفرصة لهن عند اول تغيير.

*ماذا عن انتمائك السياسي.. هل هو للمؤتمر الشعبي الحاكم؟
-حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم هو مظلة وليس حزبا، وأنا حزبي اليمن، وكثيرا ما تجد أن المعارضة والسلطة يستفزان من بعض أطروحاتي، لكن في النهاية، لا بد من الصراحة مع النفس ومع الآخرين.

*لكن المعهد الذي تشغلين عمادته يصنف لحزب المؤتمر، وهناك ثمة من يقول أن إعطاءك عمادته كان من باب المكافأة لدورك النشط في هذا الحزب الحاكم؟
-بالعكس، الاحزاب السياسية اليمنية كلها موجودة داخل المعهد إلا حزب المؤتمر، ولا يكاد يوجد من يمثله من يمثله إلا أنا تقريبا أو اثنين آخرين محسوبين عليه، لكن مع ذلك معيارنا في التعامل هو الكفاءة حتى الآن وهذا ما يضايق من يعيشون على المزاجية.
* يعني أنت مؤتمرية؟
-(تضحك) اذا كنت محسوبة على المؤتمر فلا يوجد غيري.

*وسط زحمة اهتماماتك وانشغالاتك هل تعتقدين انك كنت اما مثالية؟
-لا اعتقد أنني خرجت عن إطار عملي الأساسي كأم وزوجة وكامرأة يمنية بالدرجة الأولى، المسؤوليات هذه بالنسبة لي ثانوية، وأعتقد أنه بالتدبير والتنظيم للوقت يستطيع المرء أن يفعل كل شيء في نفس الوقت أولادي عاشوا معي فترة كفاحي وتعليمي وعاشوا معي كأصدقاء وزاملوني في مختلف مراحل حياتي كذلك زوجي لم يتركني في جميع مراحل حياتي ودعمني بكل ما لديه من إمكانيات وذا كان هناك من شخص يحسب له نجاحي فإنه هو.

*بالنسبة لعملك كرئيس لجامعة أروى الأهلية الخاصة بك؟
-هذه مرحلة وانتهت الآن اشغل رئيس مجلس الأمناء فيها بالانتخاب، ولم اعد رئيسة للجامعة، وعملي يقتصر على إقرار السياسة العامة فقط، بينما رئيس الجامعة شخص متفرغ للجامعة، لكن انا التي أسستها ودفعت فيها كل ما أملك من مال وصحة وسهر وصبر.

* كم كان رأس مالك؟
-كان رأس مالي الحقيقي هو عقلي وتجربتي ومبالغ لم تدفع مرة واحدة لكنها لازالت تدفع؛ فالعمل في التعليم يقتضي ان يدور رأس المال لتطوير العملية التعليمية وأدواتها، وقد بدأنا برأس مال بسيط يتراوح بين 40 إلى 50 الف دولار، يضاف اليه كل عام كي نعمل على التوسع والتطوير، وميزة الجامعة والمؤسسين فيها انه لا يستلم أحد رواتب جميعنا كمؤسسين يعمل بدون مقابل حتى نستكمل بناء الجامعة.

*جاءت فكرتها ممن؟
-أنا صاحبة الفكرة،فمن خلال عملي في جامعة صنعاء رأيت أننا لا نستطيع إدخال أي برامج تأهيل جديدة فنخن نعمل وفق النظام الأكاديمي التقليدي العربي، ونحتاج ربما لعشر سنوات حتى نقوم بتغيير مغردة تربوية، ومن هنا جاءت فكرة تأسيس جامعة أهلية على أساس التغيير والمنافسة وليس الربح، بالإضافة إلى أنه من خلال عضويتي في اللجنة العامة لليونسكو تكونت لدي رؤية للتعليم في العالم العربي الأهلي.

*ماذا تحدثينا عن رؤيتك هذه؟
-باختصار: إن التعليم الأهلي شريك في التنمية.
*إلى أي مدى أصبحت جامعتكم منافسة؟
-نحن رأس مالنا في الجامعة سمعتنا والجميل أن هناك أطراف كثيرة فيها لا تحب أن تثري ودخل الجامعة الفائض نخصصه لشراء أدوات وأجهزة للجامعة، وأنت رأيت ربما التوسع الذي نقوم به كل سنة، الآن نحن نحتفل بالسنة العاشرة على ميلاد الجامعة ولم يأخذ احد منا من الجامعة ريالا واحدا.

*من انتم؟
-أنا بالشراكة مع بعض الشركاء من الأهل والأصدقاء الأكاديميين.

*إلى أي مدى ساهم انتماؤك لعائلة ميسورة في نجاحك؟
-أنا من عائلة متوسطة، والدي اشتغل بالتجارة، وشقيقي عمل بالسياسة، وعمليا أنا لم آخذ من اهلي ريالا واحدا، ولا أخلط بين دخلي من عملي وأملاكي الخاصة، ما استلمه من عملي هو راتب محدود لكن لي أعمال إضافية من الاستشارات والبحوث لمنظمات دولية ومحلية.

*كم راتبك؟
-راتبي ثلاثمائة ألف ريال (ما يعادل 1500 دولار حاليا) من جامعة صنعاء التي أعمل فيها أستاذة غير الإشراف على طلاب وطالبات الدراسات العليا، علاوة على ما يتحقق من ريع العمل في الكثير من الجامعات كاستشارية أشارك في إعداد الدراسات والأبحاث سواء تلك التابعة لمنظمة اليونسكو أم غيرها من المنظمات الدولية المهتمة بقضايا المرأة، وهذا أعتبره دخلا إضافيا، وبالنسبة لمال الجامعة (جامعة أروى) حتى الآن غير مسموح لنا نأخذ منها شيئا.

*ما السبب؟
-السبب اننا نخطط لبناء مؤسسة علمية متميزة تبحث عن العلم بعيدا عن الربحية ويكون مستواها لائقا باسمها.

* ما يجبرك على العمل في جامعة دون مقابل؟
-اعتبر هذه رسالتي، وفي النهاية إذا صلحت الجامعة فهي مشروعي الذي أفنيت عمري من أجل بنائه بطريقة محترمة، وهنا يكفيني هذا عن المال، مشروع يقدم رسالة إنسانية جليلة تتمثل في إعداد وتأهيل الطلاب، ولا أخفي عليك عندي عدد كبير من الطلاب الأيتام وغيرهم من المعوزين تتبناهم الجامعة.

*لماذا سميت الجامعة اروى؟
- اروي تيمنا بأروى بنت احمد الصليحي الشخصية اليمنية التاريخية المعروفة.

*كم عدد طلاب الجامعة ومخرجاتها في العام وأهم تخصصاتها؟
- حوالي ألفي طالب..

*ماذا عن الرسوم؟
- نحن نقدم أقل رسوم من الجامعات الأخرى، ولسنا مثل بعض الجامعات التي تعتمد على المساعدات في تمويلها، نحن جامعة مستقلة لا نأخذ دعم من احد.

*وماذا عن الاعتماد لشهادة جامعتكم؟
-هي شهادة معتمدة في الداخل والخارج، لدينا علاقات جيدة مع اليونسكو، علاقات كثيرة بدول الخليج، مع أنني لا أخفيك أن لدينا مشكلة ربما مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية ممن لا يعترفون إلا بشهادة جامعة العلوم والتكنولوجيا ربما لكونها جامعة ذات طابع ديني، بينما نحن جامعة مستقلة ليست تابعة لأية جهة، وأظن أن المفروض في التعليم الجامعي أن يكون مستقلا، لهذا السبب ربما كثير ما تواجهنا مشاكل تتعلق بمسألة الاعتماد خصوصا من قبل الأشقاء في المملكة اللذين نتمنى أن يتفهموا ويعيدوا النظر في هذه المسألة وذلك باعتبار أن معظم طلابنا هم من اليمنيين الذين يعمل آباؤهم في المملكة.

*هل من رياضات تمارسينها؟
-(تستغرب)..الرياضات! العب الطاولة والطائرة.

*أهم هدية حصلت عليها وأثرت في نفسك؟
- يمكن هي الهدية التي أهدتها لي طفلة معاقة زرتها في مستشفى جبلة بتعز، وهي عبارة عن باقة من الورود فيها صورتي، ولم تكن تتوقع زيارتي لها، هذه هي الهدية التي احتفظ بها حتى الآن وتعتبر من أهم الهدايا التي أثرت على نفسيتي بما حملته من مدلولات.

* اهم ذكرى عزيزة بالنسبة لك؟
-الذكريات العزيزة كثيرة، والذكرى الأعز على نفسي هي لحظة التوقيع على وحدة التراب اليمنية.. هذه كانت أهم لحظة وذكرى عزيزة على النفس، كنا ننتظرها في البيت كأننا من يتولى مراسم التوقيع... فعلا أنها أهم ذكري عزيزة في حياتي.

* ماذا عن مشاريعك الجديدة؟
-ما زال لدي الكثير من المشاريع بالطبع، وشعاري دائما "ما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا"، لهذا تجدني مازلت أعمل حساب للحياة بأنها ستعاكسني،لا أريد أن افعل كما فعل فريق الأرجنتين الذي دخل في مباراة مع ألمانيا في نهائيات كأس العالم للدورة الحالية ولم يذاكر جيدا بما جعلهم يأخذون درسا قاسيا على رؤوسهم.. نتمنى من الله الصحة والعافية ربما يكون مشروعي الذي أتمنى له النجاح هو بناء جامعة أروى التي رغم أننا دفعنا ثمن أرضها أربع مرات سابقة، لكن في كل مرة يظهر لنا غريم، والسؤال كيف بالمواطن البسيط العادي الذي لا يستطيع الحصول على حقه من قطعة في ظل مشكلات الأراضي التي لا حدود لها.

* كثيرا ما تكون المرأة في مجتمعات معينة مطالبة بتقديم بعض التنازلات لتحقيق النجاح..ماذا عنك؟
- لم أقدم تنازلات لأحد من أي نوع كان سواء تملق او عن خوف وقد كلفني ذلك الكثير، وأتمنى من الله أن لا اضطر الى أي منها، فالموت احب الي من ذلك قبل التفكير في تقديم تنازل لأي شخص أيا كان.

*ما رؤيتك لواقع حقوق الإنسان في الوطن العربي؟
- مازالت بعيد المنال بسبب عدم معرفة المجتمعات العربية بحدود وطبيعة معناها وتطبيقاته.
*ما تصورك لمعالجة الكثير من الاختلالات التي تتعلق بهذا الأمر؟
- نحتاج الى التوعية بها هذا كل شيء، لكن لابد ان تتكامل هذه التوعية مع جهود الجهات المرتبطة به من قضاء وأمن وعدل.


المصدر : سبأ
طباعة          إرسال لصديق

شاركنا بارائك ومقترحاتك

الإخوة / متصفحي موقع قناة اليمن الفضائية نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 58 دقيقة و 25 ثانية دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
الإسم *
عنوان التعليق *
نص التعليق *
الأحرف المتاحة : 800
الأرشيف
 
محافظات الجمهورية تعرب عن تعازيها باستشهاد المناضل عبد العزيز عبد الغني
عبرت القيادات المحلية والتنفيذية والفعاليات السياسية في عموم محافظات الجمهورية عن حزنها العميق لرحيل فقيد الوطن الشهيد عبد العزيز عبد الغني رئيس مجلس الشورى متأثرا بإصابته جراء الاعتداء الإرهابي الغادر الذي استهدف فخامة رئيس الجمهورية وكبار قادات الدولة في أول جمعة من رجب الحرام. ...المزيد


تقارير و اخبار ثقافية

...المزيد
تصميم وبرمجة : عربي بزنس
عدد الزوار 27582401
Too many connections