زواج الفيزا.. جريمةٌ إنسانية، أم وسيلةٌ عصرية؟! Bookmark and Share
التاريخ : 22-09-2010 في غفلةٍ من ذاكرتها المنهكَة، وعلى إيقاع المادية اللاهث، تقفُ "إب" عاجزةً عن مقاومة انتفاضةٍ خضراء قادمةٍ من بلاد العمّ "سام"؛ تستنزفُ قيَمَها بلا خَجَل، وتسحقُ روحَها بلا إشفاق، فآثرتْ أن تعيشَ واقعَها كما يريد، لا كما ينبغي.

في غفلةٍ من ذاكرتها المنهكَة، وعلى إيقاع المادية اللاهث، تقفُ "إب" عاجزةً عن مقاومة انتفاضةٍ خضراء قادمةٍ من بلاد العمّ "سام"؛ تستنزفُ قيَمَها بلا خَجَل، وتسحقُ روحَها بلا إشفاق، فآثرتْ أن تعيشَ واقعَها كما يريد، لا كما ينبغي.

"زواج الجنسية" (سيتيزن) ينتشر في محافظة "إب" -التي تمتلك أكبرَ جاليةٍ يمنية في أمريكا- ويعني الزواج من اليمنيات اللاتي يحملنَ الجنسية الأميركية، كون مَن تحمل الجنسية الأميركية تستطيع منح زوجها "فيزا" الهجرة إلى أمريكا.
ولقلة الفتيات الحاصلات على الجنسية الأميركية، وزيادة الطلب عليهن، ارتفعت المهور بشكلٍ ملفت، حتى أصبحت المرأة -بمعنى أو بآخر- سلعةً تجارية خاضعة لقوانين البيع والشراء، وعلى الطريقة الأميركية؛ السوق المفتوح. إذ وصل المهر في بعض حالاته إلى 75 ألف دولار أميركي، بيدَ أنه في أدنى مستوياته لا يقلّ عن ثلاثين ألف دولار أميركي، وأصبحت المرأة تنكح لجوازها الأميركي، دون النظر إلى جمالها أو حسبها أو دينها، ودون الرجوع إليها.

قصص مُدمية
ونحن نبحث في تفاصيل الظاهرة، وجدناها تنتشر في المناطق التي تصدِّر المغتربين (الشّعر، العود/ النادرة، بعدان، السدّة، وأجزاء من السبرة)، فحصرنا تناولنا لزواج "الجنسية" عليها، ولم نشِرْ إلى أسماء بعض المناطق؛ بناءً على طلب مَن تحدثنا إليهم. وما إنْ وضعنا أيدينا على الجرح؛ حتى وجدناه غائراً، رسمتْه قصصٌ واقعية مدمية، هي غيضٌ من فيض، أكّدتْ أن الزواج -كمؤسسةٍ اجتماعية فاعلة- يتم إفراغها مِن مضمونها الإنساني، وغاياتها السامية التي لأجلها شُرِع الزواج. قال تعالى: "ومن آياته أنْ خلقَ لكم مِن أنفسِكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّةً ورحمةً إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكّرون" (الروم: 21).

*"من يدفع أكثر يحصل على الفيزا"... هذا ما حدث فعلاً مع فتاة تتمتع بالجنسية الأميركية، عندما تقدّم لخطبتها شاب، وطلب أبوها 60 ألف دولار مهراً لها، فتردد ذلك الشاب، ليحسم القضية شابٌ آخر بـ75 ألف دولار أميركي. ويتكرر ذلك المشهد ليحكي قصة فتاةٍ قروية حملتِ الجنسية عن طريق أبيها، ولم تكن قد تلوّثتْ بثقافة المادة، فأحبّت أحد أبناء قريتها، الذي بادلها الحبّ بالحب، وكان حبهما بريئاً من كل الطموحات النفعية، إنما لجنسيتها الأميركية؛ سقط حقّها في الاختيار، إذ كان شرط أبيها لمن يتقدّم لها 20 ألف دولار أميركي، ولم يكن ذلك الشاب قادراً، فتقدّم لها شابٌ قادر على شرط أبيها، فتزوجت مَن دفع ثمنها مقدماً، وحُرمت ممن كان يملك مهرها الحقيقي، فدفع حبيبها عقله بعد أن يئس من عودتها، لتفقد هي سعادتها.

مأساة
*"لا يعنيني مصيرها، هي فرصة ويجب أن أستثمرها"... شعار يرفعه بعض الآباء، حتى بلغ الأمر بأحدهم أن زوّج ابنته التي تحمل الجنسية الأميركية أربع مرات، وكان يحرص في كل مرة على أن يضع العقبات الكفيلة بإفشال الزواج، لأن مهرها في الزيجة الواحدة لا يقل عن 40 ألف دولار أميركي. مأساة قد لا تبعد كثيراً عن هزيمة تلك التي تعلم قبل أن تزفّ إلى عريسها أنه لا يحبها، وتعلم أنه سيتزوجها طمعاً في "أمريكا"، ثم يعود ليتزوج بحبيبته اليمنية القروية.. تُرى أية إنسانية تقرّ هكذا زواج؟!

مصيبة "سلوى" لا تختلف عن مثيلاتها، إلا باختلاف الكيفية، فقد ذوتْ سعادتها تحت بريق الجواز الأميركي، حينما تزوجت لمرّتين، لكنها لم تكن مختارةً في أيٍّ منهما؛ الأمر الذي أجبرها على رفض فكرة الزواج مطلقاً. ضحية أخرى أغتالها أبوها، وهو يبيعها لــمغترب في أمريكا بدون أوراق إقامة -فأحبّته وصبرت على ظلمه وتجويعه، وتهرّبه حتى من واجب الإنفاق على أولاده، ولم تدرك أنه لا يريد منها سوى شرعية الإقامة هناك، إلا بعد أن كافأها بالطلاق.

وتروي لنا إحداهن قصة أليمة كانت ضحيتها المرحومة "م.ل" التي انفصلت عن زوجها الأول بعد عشرة طويلة، وأقنعها أحد الشباب أنه يريد أن يتزوج بها لذاتها، مع أنه يصغرها سناً بـ25 سنة، فتزوجها، وسافرت إلى أمريكا لاستكمال إجراءات حصوله على "الفيزا"، وكانت -رحمها الله- في أيامها الأخيرة كثيرة الشجار معه، لأنه لم يأبه لمرضها الذي ألمّ بها، بقدر ما كان حريصاً على "الفيزا"، وكأنه كان قلقاً من دنوّ أجلها قبل حصوله على غايته، فتضاعفت أوجاعها، لكن الإرادة الإلهية أنصفتها، وانتشلها الموت، وحرم زوجها من هدفه الذي سعى إليه بلا رحمة أو خجل، فخسر المال والوقت والزوجة و"الفيزا".

"يوسف عياش" -طالب جامعي- واحد من أبناء مديرية العود، التي يعيش معظم أبنائها في أمريكا، وبحكم اختلاطه بشريحة كبيرة من الشباب الذين يتزوجون على هذه الطريقة، يؤكد أن معظم الزيجات التي يكون رابطها المنفعة تنتهي بالفشل، إما على المستوى الأسري، أو الاجتماعي، ويرى أن معظم الشباب بعد حصولهم على "الفيزا" يبادر بالتخلّص من البساط الذي نقله إلى بلاد "الدولار"، انتقاماً من أهلها وإذلالها له.

صفقة تجارية
طالبة جامعية من مديرية الشعر، تقول: "الزواج ممّن يحملن الجنسية الأميركية حديث الساعة، وواقعنا مليء بهذا النوع من الزواج، وقصصه منفّرة ومحزنة في آن، وهو عبارة عن صفقة تجارية مربحة لوالد البنت وزوجها، في حين تبقى هي ضحية لجشع الأب ونزق الزوج، الذي يشعر أنه ابتاعها لغاية، وما إن يصل إليها حتى يبدأ مسلسل الانتقام منها، لأنه يشعر بالنقص أمامها" وتذكر قصة أخيها في أمريكا الذي تزوج بيمنية تحمل الجنسية الأميركية للحصول على الإقامة، ودفع لقاء ذلك 50 ألف دولار أميركي، لكنه نسي أن يضع شرطه الحصول على الإقامة في عقد الزواج، فما أن تم الزواج، وحملتْ زوجته حتى بدأت الخلافات تدب في البيت، لينتهي الأمر بالطلاق، وما زالت القضية في المحاكم، فلا هو استعاد المبالغ التي خسرها، ولا حصل على مبتغاه من الزواج.

طالبة جامعية أخرى تناولت الموضوع من زوايا مختلفة، فقالت: "لقد سن هؤلاء سنة سيئة، يدفع ثمنها الكثير من الأبرياء، وتحديداً الفتيات، إذ تتسلط عليهن الأضواء، ويتهافت عليهن الخاطبون -للجنسية الأميركية التي يحملنها طبعاً- ويكنّ الأكثر عرضة لأن يصبحن ضحايا حقيقية لهذا النوع من الزواج". وتضيف "ر. ن": "بعض الشباب تكون الفتاة التي ملكت عليه لبّه أمام عينيه، لكنها بجريرة حمل الجنسية الأميركية تخضع -بإرادة أبيها- للمزاد، فيعمل على الحيلولة بينها وبين مَن تحب، والأسوأ من ذلك أنها قد تتزوّج من شاب يملك المال، لكنه لا يتكافأ معها علماً وأدباً، وهذه الظاهرة تسهم بشكل أو بآخر في رفع نسبة العنوسة بين الشباب من الجنسين، إذ أن بعض الشباب بسبب غلاء المهور يعزف عن الزواج إلى أجل غير مسمى، في حين يتجه البعض إلى مناطق أخرى خارج قراهم التي وقعت ضحية المادية، ويبحثون عن نساء أقل كلفة، الأمر الذي يعيق زواج بنات قريتهم، وحتى في أمريكا، يصر الآباء على المتاجرة ببناتهم؛ إذ يرفضون تزويجهن إلا لمن يدفع أكثر، ولو كان من يتقدّم لها يحمل الجنسية الأمريكية، فيتم العزوف عن الزواج بهن، ومن هنا تبدأ المأساة".

أما علي محمد أحد المغتربين فيؤكد أن التّبعات التي يتحملها الزوج إرضاءً لأهل الزوجة تؤثر في نفسيته، وتوغر صدره ضد زوجةٍ يرى أنها تتسيّد عليه بجوازها الأميركي، وتتأزّم العلاقة بينهما لتصل في الغالب إلى الطلاق، خصوصاً إذا كان قد حصل على مراده، لتضيع الأسرة بأسرها، وهذا ما حدث له مع ابنة عمه التي أحبها لذاتها، لكنها كانت تنظر إليه كواحد ممن خطبوا ودّ جوازها الأميركي، فتعاملتْ معه على أنها ذات فضلٍ عليه، وكان منه أن شكر فضلها على طريقته.

من ناحيته، يشعر الأستاذ عمرو محمد -مدير شركة للترجمة ومعاملات الهجرة- بخيبة كبيرة إزاء الحال التي وصل إليها الشباب في محافظة إب، ومناطق الاغتراب تحديداً، نتيجة إصرارهم على الاغتراب بهذه الطريقة، مستنكراً الجشع الذي يجبر الآباء على الاتجار ببناتهم بدون رحمة، إذ غالباً ما ينتهي مثل هذا الزواج بالطلاق، أو الفشل داخل الأسرة.

فيما أكد الشيخ أمين علاية -مستشار محافظة إب، وأحد أعضاء لجنة شؤون المغتربين في المحافظة- أنه لا يشعر بالقلق من مشكلات هذا الزواج التي قد تصل إلى الطلاق؛ لأن العلة تكمن في التربية، لا في الزواج نفسه. مع أن أحد المختصين في مديريته أكّد لنا أن المحكمة تتسلم سنوياً ما معدّله تسع قضايا، متعلقة بزواج الجنسية. وهنا نتساءل: لماذا تقف مكاتب وزارة الأوقاف مكتوفة الأيدي تجاه هذا النوع من الزواج؟!

البُعد الدِّيني
ولأهمية البُعد الديني في عملية الزواج، تحدّث الدكتور محمد الزهيري -رئيس قسم اللغة العربية في جامعة إب- قائلاً: "الزواج دين وشرع وشعيرة، يجب أن يقوم على أساس متين من تقوى الله، ولا يجوز بحال أن يتحوّل إلى زواج استثماري نفعي، كما يبدو في كثير من زيجات اليوم، لاسيّما زواج "سيتزن" الذي بلغ المهر فيه عشرات الآلاف من الدّولارات، من أجل الحصول على "الفيزا" أو الجنسية الأميركية، دون مُراعاة صلاحية الزوج أو الزوجة للسكنى التي تتحقق بالزواج الشرعي. وهذا الزواج ليس باطلاً، لكن له مفاسد كثيرة، منها أنه لا يحقق أهداف الإسلام ولا سعادة الإنسان، بالإضافة إلى أنه عُرضة للفشل. وعلى أولياء أمور البنات أن يتقوا الله فيما ائتمنهم عليه، وليعلموا أن أهم قرار في حياة المرأة قرار الزواج، وأن الزوج هو جنّتها أو نارها، وأن الرزق محتّم ومقدر {إن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} فلا يقضوا على سعادة بناتهم وأخواتهم أو قريباتهم مقدماً من أجل المال، ولا يجعلوا المرأة سلعة تباع في المزاد؛ فـ"أكثر الزواج بركة أيسره مؤنة"، و"التمس ولو خاتماً من حديد"".

ختاما
على ما فيه من مآسٍ يندى لها الجبين، ورغم ما ينطوي عليه مِن قهرٍ وكبتٍ وإذلال، ينتشر الزواج "التجاري" وسط صمت شعبي ورسمي، يجعل الرؤيةَ غائمةً؛ يصعب معها التكهّن بحقيقة هذا الزواج: أهو جريمةٌ بحق الإنسانية أم مجرّد وسيلة فرضتْها عبثيةُ العصرِ للاتّجار بكرامة البشر؛ وسلّم بها اليمنيون -الذين يفخرون بحضارةٍ عريقةٍ؛ أرسلتِ النورَ إلى البشرية قاطبةً، وأرستْ قيم الحق والفضيلة- وكأنّ معضلات المرحلة زعزعتْ ثقتهم بالتاريخ والجغرافيا، فأفقدتْهم القدرةَ على الصمود في وجه أوبئة الزمن؟!


المصدر : سبأ
طباعة          إرسال لصديق

تعليقات القراء

1)
الإسم : خالد البعداني
عنوان التعليق : نصيحه
السلام عليكم ان لي مداخله بصيطه وسريعه ان متزوج من يمنيه وتحمل الجنسيه الامريكيه وكلفني هذاء الزواج٦٠ ستون الف دولار وقد وفقني الله في هذء الزواج علي اسره عريقه وذو خلق واناء كنت اعرف انه زواج مكلف ولا كن تصرفة بحكمه ودريه ولي ٣ اولاد واشتغل ساءق شاحنه ودخلي في السنه ٥٥ الف دولا ونصيحتي الي كل من يريد ان يتزوج هذه الزيجه عليه ان يختار الناس الذي علي خلق والاتفاق علي كل شي قبل اي شي وعلي العموم اني خريج كليه الشريعه ومن دخل هذاء انه رابح رابح وسوف يرد ماخرج من جيبه في سنتين علي اسهل طريقه واي شاب يريد مسا عده علي ايجاد وضيفه او مشوره اناء علي استعداد فل يراسلني عل الايميل ولليمن الغالي الف ملون سلام ويحفض الله اليمن موحد في عزه ورخاء وتحياتي لليمن حكومة وشعب ووحده الي الابد رغم انفهم والله معكم خالد الابعداني والسلام kalbadane@yhoo.com

شاركنا بارائك ومقترحاتك

الإخوة / متصفحي موقع قناة اليمن الفضائية نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 58 دقيقة و 25 ثانية دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
الإسم *
عنوان التعليق *
نص التعليق *
الأحرف المتاحة : 800
الأرشيف
 

تقارير و اخبار ثقافية

...المزيد
تصميم وبرمجة : عربي بزنس
عدد الزوار 27584841
Too many connections